الانترنت والمحتوى

هل تذكر مكتبة المدرسة التي تضج بالكتب ولا تجد أحدًا مهتماً بها إلا حين يحين موعد البحث في حصة العلوم،…...
3 فبراير، 2020

هل تذكر مكتبة المدرسة التي تضج بالكتب ولا تجد أحدًا مهتماً بها إلا حين يحين موعد البحث في حصة العلوم، ورغم ذلك يستخدم الجميع كتابا واحدا فقط دون بقية الكتب لأجل بحثهم؟ هل تذكر كل تلك الكتب في صالون منزلكم، تلك الكتب التي تعرف عناوين بعضها وأجلت مطالعتها وحين جاء اليوم المنشود وجدتهم قد تخلصوا منها لكي يفسحوا مكانا لطقم الكؤوس الجديدة بهية المنظر؟ هل تذكر تلك الهالة التي تتعلق بالكتب ومحتوياتها التي تتطلب أشخاصا معينين فقط لقراءتها؟ حيث لا ترى في نفسك الشخص المناسب لذلك؟ وعندما تمر بجانبها تقرر في لاوعيك أنك غير معني بها وأن مطالعتها مسؤولية شخص آخر؟ هل تذكر تلك اللحظة التي قررت فيها مطالعة كتاب ظننته مفيدا وممتعا ثم قررت حينها أن فيلم السهرة قد لا يتكرر وأن الكتاب متوفر ولن يهرب، لكنك لم تعد له مجددا وبقي الكتاب أسفل سريرك إلى أن وجدته يوما مبتلا بفعل مياه التنظيف اليومي في منزلكم؟ هل تذكر موضوع الانشاء الذي كتبته يوما في حصة العربية وظننت أن معلمك وزملاءك سيكترثون بلغتك وحجم المعلومات المختلفة التي جئت بها؟ يالخيبتك.

هل تذكر يوم كانت تبشر الانترنت بعصر جديد من المعرفة المفتوحة حيث كل المعارف متاحة والجميع يدخلون لتحصيلها؟ حسن أنت تعلم كيف صار حالها الآن؟ ربما هي أسوء حالا عن الكتب والمجلات لا نقول المعرفية فقط، بل والعامة أيضا. هل تذكر يوم جاءت عبارة “المحتوى هو الملك”؟ مع انطلاق المدونات، وبدء المدونين والمواقع في الاهتمام بالمحتوى الذي سيجعل القارئ يعود حتما ويقدر جهدك والمعرفة التي تضيفها وأن الانترنت مكان مختلف عن العالم الواقعي الذي لا أحد فيه يهتم بالمحتوى سوى الدارسين والمتخصصين؟ تعرف أن الأمر حينها جاء كرمشة عين، فالمحتوى الذي يتم تقديره الآن هو صور ال gif لمجموعة من القطط التي تلاعب بعضها، المحتوى الذي يتم تقديره وتقديمه عن غيره هي صور الفاشينيستا ومؤخرة فتاة تبذل جهدها للحصول على معلنين على حساباتها في شبكات التواصل.

متى راجعت روابط المقالات في مجالك والتي قررت حفظها في مفضلة المتصفح لقراءتها لكي تستفيد منها ثم قررت أن مشاهدة برامج اليوتيوب وسيلة ترفيه أولى، ثم تذكرت الروابط بعدها بسنة كاملة وقررت حذفها لتريح ضميرك، ثم أعجبتك بعدها تلك الفيديوهات القصيرة المسروقة التي تلخص وثائقيا أو حدثا مهما أو خبرا علميا مع بعض الجمل باللون الأصفر كما تفعل AJ+، ألا يبدوا لك هذا شبيها بحالة الكتاب الذي تركته لأجل فيلم السهرة؟ هل انتبهت الى عدد المتابعين في حسابك على تويتر والذي نقص عشرة متابعين يوم شاركت مقالا وجدته مفيدا في مجالك، وقلت أن متابعيك الذين هم من نفس المجال سيسعدون بمطالعة شيء مفيد؟ لماذا أثقلت عليهم؟.

تعلم أن الانترنت صارت وسيلة ترفيه، تعلم جيداً أنها مهرب الناس للتسلية، تعلم هذا لأنها أيضا وسيلتك للترفيه كذلك، لكنك ترى كيف غير يوتيوب وشبكة نتفليكس وحتى OSN من معالم التلفزيون، وصار الترفيه عند الطلب، لم يعد التلفاز منفصلا عن الانترنت، بل صار داخلها، اندمج الترفيه المرئي مع الانترنت ليكاد يكون هو أهم شيء فيها، انتعش سوق الفيديوهات القصيرة، لم تعد الناس تود قراءة مقالاتك الطويلة، تريد مشاهدة فيديو من 30 ثانية تلخص لها فيها فكرتك ولتدعها وشأنها بسلام، بالمناسبة، الفيديو الذي ستنتجه لهم أيضاً يحتاج منك تسويقًا محترمًا على الانترنت لكي يصل إلى ثلاثة أو أربعة أشخاص، تجد أن مواقع تقدم محتوى جيدا انهارت أخيرًا وقررت اللجوء لأسلوب الصحافة الصفراء في صياغة عناوين مستفزة وكاذبة لتجبر القارئ على الانتباه إلى أهمية المحتوى الذي تقدمه له.

أيضاً تعلم أن المحتوى يسهل اقتباسه وسرقته كذلك، تأسف لتدوينة جلست على كتابتها أسبوعًا كاملاً لتجد من فككها ونشرها على هيئة تغريدات متتالية باسمه، دون الإشارة إلى مصدرها، تفكر ما الغاية من نشرها تلك الطريقة طالما كان بامكانه وضع رابط التدوينة الشاملة التي لن تأخذ خمس دقائق لانهاءها والاستفادة منها؟ تفكر في جدوى ما تفعله، وهل يستحق المحتوى العناء؟ تعلم أن لا أحد يكترث لما تكتبه ومستواه طالما أنك تنتمي لجنسية بلاد أخرى، فلا أحد سيأخذ محتواك على محمل الجد طالما أنهم يرون في بني جنسهم وإن كانوا لا يفعلون شيئاً سوى الافتخار بشهاداتهم ولا يضيفون شيئًا؟

لست ممن يؤمنون بحمل القضايا على أكتافهم، ولست ترى في محتوى الانترنت قضيتك الأساسية والمعركة التي يجب خوضها، لكنك رأيت يومًا كيف كانت الانترنت قطعة من المحتوى الذي لا ينضب وهو الآمر الناهي، رأيت للحظة كيف أن البشر سيقفزون خطوات عملاقة في اتجاه التغيير، أما الآن فكل ما تراه هو كيف حطمت الشركات الانترنت وجعلته نسخة مطابقة للواقع حيث كل حركة تتم ببطاقة البنك، حيث الجميع منغلقون داخل حساباتهم وصفحاتهم، كنت رأيت في السابق كيف يغير الأشخاص العالم من خلال محتواهم، والآن تراهم يتراجعون الواحد بعد الآخر، لنعود مجدداً لحياة واقعية آخرى ولكن أمام شاشاتنا.

2 التعليقات

  1. محمد درغام

    شيء مؤسف حقًا أستاذنا عصام، حروف تكتنز مأساةً يعيشها جيل هذه الأيام، مأساة البعد عن الثقافة والتثقيف الذي يعود عليهم بالنفع والفائدة، وتعدى الأمر إلى المختصين في المجال، بحيث صار أخر همهم الإطلاع والتثقف النظري والتزود والانتفاع بما يكتبه أهل الخبرة، وما يودعونه من تجارب وأفكار عظيمة في هاتيك التدوينات، وأصبحت ثقافتنا كالوجبات السريعة التي لا تغني ولا تسمن من جوع!
    لا أدري لعل ثمة أفراد ينتفعون بما تكتبه وما يكتبته المختصوص في المجال أمثالك، وأنا من محبي قراءة تدويناتك والإطلاع على ما تخطّوه وتنثروه من أفكار وإبداع.
    دام قلمك سيالا بكل مفيد.

  2. Khaled Mimoune

    لا أظن أن الصورة سوداوية لهذا الحد بالعكس فالمحتوى الجاد والعلمي له أهله ويبقى مرجعا دائما للمهتمين به فهذا المحتوى هو في خط متوازي مع المحتوى الترفيهي .
    فالمهتم سيبحث عن ما يشغله مكتوبا كان أو مسموعا أو مرئيا فالوسيلة لا تهم هنا بقدر القيمة التي تحتويها وهي أمر مهم جدا ولا يمكن الاستغناء عنه . فالانترنت ساهمت ولازالت تساهم في نشر العلوم والاستفادة منها بشكل فعال بأي صيغة متوفرة و الصيغة المكتوبة هي الأكثر فعالية .
    بالنسبة لناشر المحتوى الهادف (المجاني في الغالب) هدفه ليس لفت الاهتمام بقدر ماهو نشر الفائدة لاكثر عدد ممكن وجعله متوفرا في كل وقت وكل ماتمت الحاجة إليه …. حتى و لو استفاد منه شخص واحد فهذا لا يهم …. هي قضية mindset فقط

كروموفوبيا، عن رُهاب الألوان من حولنا

كروموفوبيا، عن رُهاب الألوان من حولنا

تستعد للذهاب إلى عملك، تفتح خزانتك، وترى الملابس المعلقة أو المطوية في الدرج، وتفكر أيها أنسب ليوم عمل عادي قد يتخلله اجتماع مهم مع الفريق أو العميل، فتجد نفسك قد قررت أن أنسب خيار هو ملابس رسمية نوعًا ما، لكنك في نفس الوقت قررت أن الألوان يجب أن تكون هادئة محايدة، لا...

قراءة المزيد
ثقافة اللطافة

ثقافة اللطافة

بعد الحرب العالمية الثانية، شهد العالم زيادة سكانية كبيرة ضمن مرحلة سلام، رافقها مستوى تعليمي شبه متقارب للأجيال المولودة في تلك الفترة، وأيضًا رافقه أهم عنصر وهو بروز التلفاز كجهاز بدأ ينتشر في المنازل لدى هذه الأجيال، وهو ما بدأ يؤثر في تشكيل تصورهم للعالم، فبعد أن...

قراءة المزيد
لماذا القطاع العام بحاجة لهوية تسويقية

لماذا القطاع العام بحاجة لهوية تسويقية

في القطاع الخاص وفي وقتنا الحالي يمكن لأي شركة أن تصنع منتجًا خاصًا، أو تقدم خدمة جديدة مختلفة عما يقدمه الآخرون، الاشكالية أنه سرعان ما ستنسخ شركات أخرى نفس المنتج أو الخدمة وتقدمها، وهو ما يصعب عملية الاختيار على العملاء، خذ على سبيل المثال شركة "OpenAI" التي أطلقلت...

قراءة المزيد
Semper leo et sapien lobortis facilisis aliquam feugiat ut diam non tempus et malesuada. Fermentum nulla non justo aliquet, quis vehicula quam consequat duis ut hendrerit.

2023 ⓒ جميع الحقوق محفوظة، عصام حمود