عنوان التدوينة سيء أعلم ذلك، تجاوزه.
يبدو الناس في العادة متحمسين لأعمال الشركات الكبيرة أو وكالات التصميم المعروفة بتقديمها لأعمال في المستوى المطلوب، لكن لا يبدو أن الأمر مر بسلام في حالة شعار وهوية “المتحف المصري الكبير“، حيث قوبل باستهجان وسخرية كبيرة، وعندما أعلن طارق عتريسي عن أن وكالته هي من وراء هوية المتحف الجديد نزلت سخرية أكثر حدة ضده باعتباره عملا هزيلا، لو وضعنا جانب التنمر الالكتروني الذي تشهده الشعارات في العادة فلا يمكنك على الاطلاق تجاوز ان الوكالة التي نتحدث عنها هي وكالة عتريسي الشهيرة التي صاغت ولأكثر من عقد من الزمان الذوق البصري للجيل الحالي من المصممين إما عن طريق تصميم هويات لاتزال قائمة حتى الساعة، أو بتصميم خطوط قوية كخط قناة الجزيرة أو خط مترو الرياض والنسخة الأولى من خط فيدرا وغيرها من مشاريع لخطوط طباعية لا تعد ولا تحصى كلها من الأفضل أو على الأقل من النوع الذي أسس لروح الهويات في العالم العربي، لذلك لا يمكنك بأي شكل أن تصف هذا العمل بالهاوي، خاصة لو ألقيت نظرة عامة لتطبيقات هوية المتحف المصري الكبير.
شخصيًا لا أعرف تفاصيل هذا العمل، لكني أرجعه وبحكم ما أعرفه “عن تجربة عملية” أن عامل الوقت والمال ورغبات العميل دومًا ما تكون حاسمة في جل المشاريع التي نعمل عليها كمصممين، يمكنك أن تكون متفائلاً وتردد تلك العبارات حول أن التصميم هو حل المشاكل، وبالفعل هو كذلك في حالته المثالية، لكن الجزء المتعلق بالعميل لا يمكنك بأي حال من الأحوال تجاوزه، تعمالنا كمصممين مع ملخصات لمشاريع كنا نظنها واعدة جداً، وقمنا فيها بالعمل على الاستراتيجيات والبحوث والجلسات التي قدمت لنا النتائج التي نراها وبياناتها تقول لنا بالتحديد التوجه الصحيح للهوية البصرية والعلامة التجارية، لكننا لم نحسب حساب العميل نفسه، بل إننا في كل مرة كنا نفترض أنه سيتفق مع النتائج وأننا نفهم تفكيره جيدًا، لكن الحقيقة هي أننا لا نستطيع توقع ردة فعله أبدًا، قلة قليلة فقط يكون العمل معها مثاليًا خاليًا من الشوائب، لكن في النهاية حتى وإن أردت معاندة واجبار العميل على الاستماع لكلامك كونك الخبير في مجالك وأنك تعتمد في حلولك البصرية إلى نتائج بحوث واستبانات هو بنفسه طالعها ووافق عليها، وانك تعتمد أيضًا على خبرة عملية طويلة فإنك أبدًا لن تستطيع الوقوف في وجه الجدول الزمني المرتبط بدوره بالجانب المالي لعملك، ففي النهاية أنت بحاجة إلى رواتب شهرية وتكاليف منهكة، فتضطر في النهاية إلى أن ترضخ لكل التقلبات التي تمر على العمل في سبيل تحصيل فواتيرك.
لكن هذا الرضوخ يقابله تبعات أخرى، تمامًا كما أرجح أنه حدث في حالة شعار المتحف المصري الكبير، وإن لم يحدث معه فمع حالات كثيرة أخرى غيرها، ستغامر بسمعتك، ستضطر لأن تتعرض للتنمر الالكتروني ممن لم يمسك فأرة في حياته ويرسم شعارًا ويردد كلام المقالات المترجمة، فائدة العمل الحقيقي أنها تجعلك تنظر إلى الجانب الثاني من الهويات البصرية أن الامر يتجاوز الجانب البصري إلى جوانب أخرى متعلقة بمراحل العمل على الهوية والقرارات والجدالات والمفاوضات التي تمت مع العميل للوصول بالهوية إلى ماهي عليه.
لحظة، هل هذا يعني أننا ملائكة؟ بكل تأكيد لسنا كذلك، لكننا أيضًا لسنا بمجرمين، يتم التعامل مع مخرجات المصممين على أنها جريمة جنائية من الدرجة الأولى، حيث تجد فيها سن السكاكين وشحذ السيوف لمعاقبة المصمم على هوية لم تعجب البعض! مع أنه في النهاية أدى عمله بناء على معطيات قدمت له، وأيضًا بناء على الخبرة التي كونها. الخطأ جد وارد، بل لا وجود للعمل الكامل النهائي في عالمنا، بل كله يخضع للتطوير المستمر والتحسين مع الوقت والانتباه للأمور المغفلة التي لم يتم حسابها أثناء حل المشكلة، لكن هل يتطلب الأمر كل هذا الحقد والكره والهجوم؟ هل يمكن للتصميم بأن يتسبب بمشكلة أو يخلق مشكلة غير موجودة؟ أجل هذا وارد جدًا، ومن يعمل في مجال تجربة الاستخدام يعلم هذا جيدًا، لكن هل أيضًا يتطلب السخرية والهجوم الحاد الغير معقول من شخص انجز عمله ولم يوفق فيه بحسب وجهة نظرنا؟
كان آخر عهدي بهذا الأمر هو شعار خمسينية الاستقلال بالجزائر، وقررت بعده أن أترك هذا الأمر، العمل المرتب المنظم سيجبر المؤسسات على اختيار وكالات ومصممين أفضل، سيجبرهم على تحسين عملهم، نقد الأعمال بشكل لائق دون تجريح وبشكل يشجع كل مصمم على تحسين أعماله هو الوسيلة الوحيدة التي أراها! هل لديك حل آخر؟
0 تعليق