حتى الآن لا أفهم السبب الذي جعلني لا أنتبه لفيلم Chef للممثل والمخرج جون فافرو، فهو ينتمي بالضبط لنوعية الأفلام التي أحب مشاهدتها عندما أود مشاهدة فيلم لا يثقل كاهلي بالعمق النفسي والأفكار الكثيرة والحوارات العميقة ولكن في نفس الوقت يحترمني كمشاهد ويقدم شيئاً محترما وبحرفية سنمائية عالية. أحب وصفها بالأفلام الدرامية الخفيفة على الروح، مثل فيلم Miss Little Sunshine أو فيلم Sideways، وإن كان الأخير هو فيلمي المفضل على مر الأيام وبه عمق نفسي بعكس فيلم Chef الذي لا يغوص كثيرا في نفس شخصياته، بل يعطيك فقط ما يجعلك تتفاعل معها بالشكل المناسب.
الفيلم يعرض قصة شيف أو رئيس طهاة يدعى كارل، شغوف بالطبخ والطعام يعاني من ناحيتين، الأولى أنه مطّلق ولديه إبن في العاشرة يحاول جاهدا ليوطد علاقته به، كما أنه يرفض اقتراح طليقته الثرية بأن تستثمر له ليفتح شاحنة طعام متنقلة ويترك عنه المطعم، والناحية الثانية يعاني من ركود مكان عمله من التجديد والابتكار، ويصطدم بصاحب المطعم الذي يصر على تقديم نفس قائمة الطعام طوال خمس أعوام؛ وهو ما أثر على سمعته كـ “شيف”، وجعله عرضة لنقاد الطعام وجمهورهم، خاصة وأن النقد هذه المرة لم يعد على صفحات المجلات، بل صار على شبكات التواصل Social Media، وبسبب جهله في استخدام تطبيق تويتر يتسبب أكثر بإهانة نفسه وتحطيم سمعته المهنية.
قام جون بتأليف قصة الفيلم واخراجها ولعب دور البطل أيضاً، وهو بالمناسبة مخرج فيلم ايرون مان بجزئيه الأول والثاني، وقام أيضًا بإخراج أفلام مهمة مثل فيلم كتاب الأدغال – ماوكلي – وفيلم الأسد الملك الجديد، وأيضًا السلسلة الجديدة من عالم حرب النجوم “الماندلوري“، لذا يبدو غريبا أن يخرج أفلاما من هذه النوعية، لكن مع تقدم الأحداث في فيلم Chef يظهر شغفا واضحًا لدى فافرو بالطعام والطبخ، حيث يقوم بالطبخ بنفسه، وفي جل مشاهد الطبخ تشاهده وهو يقطع اللحوم والخضروات ويعد السندويتشات بلهفة وشغف، حتى ليصبح الفيلم وكأنه مخصص لمتعة جون فافرو الخاصة.
قصة الفيلم بسيطة جداً، مليئة بالبهجة وببعض اللحظات المؤلمة التي تتلخص في الإيذاء النفسي التي تعرض له كارل ببراءته وشغفه حين لا يهتم الجمهور به ويستغلون منصة جديدة عليه لا يعرف كيف يتعامل معها ليهاجموه دون أن يكلف أحد نفسه عناء الاطلاع على الأوضاع الحقيقية داخل المطعم أو يعرف المستوى الحقيقي لدى الشيف.
في الجانب المبهج والذي يركز الفيلم عليه كثيراً، نجد الكثير من مشاهد الطبخ وتناول الطعام، مليئة بالحياة والألوان، كما أنها تزداد بهجة مع بدء تغير العلاقة بين كارل وابنه، تلك الرحلة التي يبدءها كارل راضخا لإصرار طليقته على مساعدته في شاحنة الطعام المتنقل بعد أن تتحطم سمعته وحياته المهنية، فيبدأ في استكشاف الأطعمة والوصفات الكوبية الجديدة التي نرى فيها روح الرقص والاستمتاع بالحياة، فنشاهد قصة الفيلم تسير بين الحياة المهنية لكارل، وبين علاقته بابنه الغاضب، وكذلك علاقته بالشبكات الاجتماعية في نهاية المطاف، لكن ما يعيب هذا الجزء من الفيلم أنه تقريباً لا توجد به أحداث تذكر، وكأن الأحداث الرئيسية وقعت في النصف الأول فقط، والآن حان موعد الطبخ والجولات حول المدن بالشاحنة، ما يشعرك أحيانًا أن المخرج يحاول مطّ وقت الفيلم قدر المستطاع.
كذلك لا يحاول الفيلم اخفاء عيوب الشيف كارل، فهو يظهره دوماً عنيدًا طفوليا وأحياناً ساذجًا وطيب القلب، فهو هجومي جداً ضد كل من ينتقد وصفاته أو مستواه، لكنه في نفس الوقت يتساهل جداً مع فريقه في المطعم ويتفهم جيداً قرارهم في عدم الانضمام إليه حين انسحب من عمله، لكن الأمل يأتيه في مساعد مخلص وهو مساعده مارتن – لعب دوره جون ليجويزامو – لا يمانع أبداً خوض مغامرة جديدة لتجربة شيء جديد، لتنطلق الرحلة شاملة كارل وابنه مع صديق محترف يؤمن به، وفي نفس الوقت يقودنا نحو أهمية شبكات التواصل التي تمكن الناس من بدء مشروعاتهم الخاصة والتسويق لنفسهم دون الحاجة للرجوع إلى الأسلوب التقليدي الذي يعتمد على العلاقات والتمويل الضخم.
طوَّرَ فافرو سلسلة تلفزونية خاصة بناء على هذا الفيلم على شبكة نتفليكس تعتمد بشكل أساسي على تجربة وصفات مطابخ مختلفة مع طهاة معروفين وذوي أذواق وطباع خاصة، والممتع فيها هو نفس الأسلوب التجريبي والحوار العفوي والجو المليء بتناول الطعام بعيدًا عن التعقيد المعروف في برامج الطبخ.
إذا أحببت أن أرفع من روحي المعنوية، فحتمًا سيكون فيلم Chef من أولى خياراتي.
0 تعليق