يقول “إيو مينغ بي” مصمم متحف الفن الإسلامي في قطر عن مهمته في تصميمه أنها : “من أصعب المهمات التي قمت بها على الإطلاق“.
إهتمامي قبل أيام كان منصبًا على المتحف نفسه ثم بدأ يتوجه شيئًا فشيئًا نحو الاهتمام بإصرار “إيو” على تنفيذ رؤيته التي يريدها لتصميمه ولتحقيق عمل ” أصيل فريد وحديث يشير إلى المستقبل ويظهر الثقافة الإسلامية “.
حين تم ترشيحه لتصميم المتحف بسبب سوء حظ لم يحالف المصمم اللبناني راسم بدران ولم يتقدم في العمل.. رفض “إيو” جميع المواقع التي عرضت عليه على الكورنيش وحتى الموقع الأصلي الذي كان من المفروض أن يكون عليه المتحف.. لم يرغب في أن يختفي تصميمه في حال تم بناء مبان قريبة منه تعمل على إخفاءه عن الأنظار.. ولأنه يعلم بأن قطر قادرة على تنفيذ أي طلب فقد كان الإختيار على أن يقام المتحف على جزيرة اصطناعية في الجهة الجنوبية من كورنيش الدوحة تبعد عن الشاطئ 60 مترًا.. أي أن يطفو المتحف على البحر.
رؤية “إيو” التي شدتني حقًا هي من خلال رحلاته التي قام بها عبر مختلف البلدان الإسلامية والعربية ليبحث عن شيء إسمه “جوهر العمارة الإسلامية“.. وهي المهمة التي أرقته لأن تنوع الثقافة الإسلامية هو ما جعلها عسيرة حيث تختلف الهند عن الصين عن تونس عن مصر عن أي من الأخرى..
فلم تقنعه عمارة “المسجد الكبير” في قرطبة مثلاً فهو يبحث عن المزيج الصافي والمثالي وهو ما لم يجده في قرطبة التي وصفها بأنها خصبة وملونة مترفة وغنية وقد جردها جوها من ذلك النقاء الذي يبحث عنه.. ولم يقنع بما وجده في الهند.. ولم يقنعه حتى الجامع الأموي في دمشق أحد أقدم المساجد المعروفة.. الذي وجد بأنه أخذ من روح روما في تصميمه والفترات التي سبقت تشييده وما كانه من قبل خلال الفترة البيزنطية.
نقطة التحول واقترابه من الوصول إلى هدفه وبحثه الكبير كان من خلال زيارته لتونس وإستكشافه المتواصل للمساجد.. حيث لفتته قلاع الرباط في مونسطير وسوسة والتفت إلى أن أشعة الشمس تجلب للتصاميم أحجامًا قوية، وحيث أن العمل كله في العمارة الإسلامية يعتمد على الهندسة الجيومترية.
ثم وجد مبتغاه في جامع “أحمد بن طولون” في القاهرة وبالتحديد في الميضأة التي تتوسط ساحة المسجد.. كانت رؤيته لجوهر العمارة الاسلامية هو أن من يرغب في الوصول إلى العمارة الإسلامية عليه أن يبحث في الصحراء حيث التقشف والبساطة في التصميم، وحيث “تجلب الشمس الحياة للأشكال“. لفتت الشمس إنتباهه وكيف تؤثر أشعتها في العمارة الإسلامية وتوجهها وكيف يستخدمها المسلمون للوصول إلى أشكال هندسية جديدة بديعة.. في البداية لم أفهم جيدًا ما يقصده من هذا الكلام لكن مشاهدتك للنموذج التوضيحي ستعطيك فكرة واضحة.
هذه الرؤية وهذا البحث في الثقافة والعمارة الإسلامية راجع لتقاعده – أيو – من شركته (الناجحة) سنة 1990 واستقراره في العمل على المشاريع الصغيرة، والتي تتيح له التدخل في التصاميم وفي البحث عن الجذور التاريخية والثقافية لها.. ولهذا لم أستغرب بعدها قبول “إيو” بالعمل على المشروع وفرضه لرؤيته الخاصة ولشروط الموقع ورحلاته وبحثه في الثقافة الإسلامية بشكل متعمق قد لا يفعله غيره من المصممين الذين على الأغلب قد لا يهمهم هذه الثقافة وما معناها وما فلسفة هذه التصاميم بقدر ما قد يهمهم تصميم شيء ما أن تنظر له حتى تقول عنه تصميم إسلامي ثم ينتهي الأمر بعدها.. كيف لا و”إيو” يعد من أشهر المصممين المعماريين في العالم.. وربما قد صارت أهرامات اللوفر في باريس من أشهر المعالم التي يحب السياح زيارتها وهي واحدة من إبداعاته.
الغريب كذلك أنه كان بإمكانه الاستعانة بالمراجع والكتب وربما بعض الزيارات الخفيفة هنا وهناك، والتي قد تغنيه عن الكثير ويجعلها مصدره في الوصول إلى التصميم المناسب.. كان بإمكانه القراءة عن الثقافة والفلسفة الإسلامية لتساعده في الأمر كذلك.. لكنه فضل الرحلات بنفسه ليصل إلى النتيجة التي يريدها وإلى الفكرة الفريدة.. أصر على دراستها ميدانيًا عبر كل هذه المسافات الشاسعة من التراب الإسلامي وأن يتكبد كل هذا العناء.. خاصة ومن خلال القراءة عن “إيو” نفسه فستجد بأنه مصمم معماري حداثي يؤمن بالحداثة في أعماله.. لكن الجانب الثاني فيه هو إحترامه للجذور والثقافات الخاصة بالشعوب ويعمل على الدمج بين الإثنين حيث لا يعيد التصاميم القديمة كما هي ويقلدها.. ولا ينسلخ في نفس الوقت من جدوزه بتصاميم حداثية لا علاقة لها بالزمان والمكان.
ما يلفت الإنتباه كذلك هنا.. هو أن “إيو” يقول في كل مرة بأنه تصرف بأنانية في المشروع وحدد ما يريده.. هذا الذي جعلني أقتنع أكثر بفكرتي أن المشاريع التي تستلمها تعامل معها على أنها مشاريعك الخاصة.. تبناها وأعط لنفسك المساحة المناسبة التي تجعلك تسعى لخدمتها بأفضل الطرق الممكنة.. وغالبية المشاريع الناجحة في التصميم تجد أصحابها قد آمنوا بها وتبنوها وصارت جزءًا منهم.
لم أتحدث هنا عن محتويات المتحف ولا عن أقسامه لانني إهتممت اكثر بطريقة “إيو” في تنفيذ رؤيته.. بإمكانك مراجعة تلك التفاصيل على الموقع الرسمي له.. وربما جعلت لها تدوينة مستقلة مستقبلاً.
————-
ملحوظة: نشرت هذا المقال سابقًا على مدونتي حمود آرت، وأعيد نقله هنا في انتظار نقل كل المحتوى الجيد وتحويل القراء مستقبلاً من حمود آرت إلى هنا.
0 تعليق