لماذا تحدث شركات السيارات شعاراتها؟

عالم السيارات يتغير حتمًا بسبب القواعد التي أولا فرضتها شركة تسيلا للسيارات الكهريائية والطاقة النظيفة ومنافستها لكبريات الشركات المسيطرة في…...
5 سبتمبر، 2020

عالم السيارات يتغير حتمًا بسبب القواعد التي أولا فرضتها شركة تسيلا للسيارات الكهريائية والطاقة النظيفة ومنافستها لكبريات الشركات المسيطرة في السوق، برغم ما يطرح حول هل السيارات الكهربائية تعني طاقة نظيفة فعلاً؟ فتصنيع السيارات الكهربائية يستهلك طاقة أكبر من تصنيع السيارات العادية التي تعتمد على الوقود، أيضًا بطاريات الليثيوم التي تحتاجها السيارات الكهربائية تعتبر تحدٍ للبيئة! ومع ذلك يبدو أن لا سبيل لشركات السيارات لهذا التوجه الذي كان واضحًا أنه قادم لامحالة من عقود! وربما تفسيري ساذج!!

ومع ذلك ما هي الميزة التنافسية التي ستحدد الفائز في هذا التحول؟ وكل المؤشرات تقول أن العالم الرقمي هو محور هذا التحول، وأيًا كانت طبيعته فقد رمى هذا التحول بظله على تحديثات الهوية البصرية والشعارات لكبريات شركات السيارات، شهدت آخر سنتين موجة غير مسبوقة من تحديث وتبسيط لهويات شركات كبيرة؛ مثل نيسان، تويوتا، بي أم دابليو، وآخرها هوية رولز رويس الأسبوع الماضي!

عدد من الشعارات المحدَّثة لشركات السيارات قوبلت بالانتقاد وعدم الرضى كعادة الجمهور الذي سرعان ما سيتقبل الموضوع، وتصبح تلك الشعارات واقعًا وتظهر قوتها من خلال التطبيقات، لكن أحد الأسئلة المنطقية التي طُرحت بهذا الشأن، لماذا تغير الشركات شعاراتها؟ لماذا لا تحافظ علي شعاراتها كما هي وتغير من سياراتها؟ ما فائدة التغيير؟

في عالم العلامات التجارية هناك حجر زواية يدعى استراتيجية العلامة التجارية، هذه الاستراتيجية هي التي تبني عليها أي مؤسسة خططها التسويقية للأعوام المقبلة، المثير أن هذه الاستراتيجية تخضع للمراجعة المستمرة ويمكن التعديل عليها أو حتى إعادة صياغتها متى دعت الحاجة لذلك، ومن الأمور التي حتمًا ستتأثر بهذه الاستراتيجية هو الجانب البصري والهوية البصرية والشعار؛ سواء كان لطرح شخصية جديدة، أو لمجرد التجديد للفت الانتباه بأن العلامة التجارية لاتزال موجودة.

تجربة العميل الرقمية هي المستقبل:

تعرفت مؤخرًا على مصطلح Infotainment؛ وهو مصطلح يجمع بين عبارتي “معلومة” و “ترفيه”، وفي عالم السيارات يقصد به لوحة التحكم في السيارة، والتي يبدو أن دورها سيكون كبيرًا في تحديد عملية الشراء لدى المستخدمين وأين سيكون ظهور الهوية والشعارات عليها وترجمة شخصية الشركات من خلالها سيكون له أثر بالغ، خاصة مع دمج الترفيه فيه! باختصار تجربة العميل الرقمية ستشكل جانبًا مهمًا، ونرى الآن عددًا من الشركات توفر لوحات ترفيه بشاشات واسعة بواجهات وتجربة استخدام ممتعة جدًا، واندماج هذه اللوحات مع التجربة الرقمية التي تسعى لها شركات السيارات سيؤثر حتما في العلامة التجارية وشعارها وكيف نرى هذه الشركات مستقبلاً، تمامًا كما تتفاعل مع أي تطبيق على هاتفك!

مع قدوم السيارات الكهربائية، وتطور نظم القيادة الذاتية، والتحول إلى التعامل والتحكم بالسيارات مثلما نتحكم بهواتفنا وتحديد كل تفصيلة فيها، برزت أنظمة وواجهات الاستخدام الخاصة فيها، في إصداره العاشر تجد نظام سيارات تيسلا للتحكم الكامل بالسيارة مع تجربة ترفيه مدمجة معه خدمات كنتفليكس، سبوتيفاي، هولو، ويتويوب، وهذا كله من خلال شاشة عرض ضخمة وكأنها جهاز آيباد برو، مع واجهة استخدام رشيقة تطورت عبر سنوات من التحسين المستمر، بمعنى أن تيسلا وغيرها من الشركات الآن لم تعد مجرد شركات سيارات، فهي الآن تصنع لك عالما مفصلاً يشعرك بالراحة والترفيه خلال جولة القيادة، هذا إن تفرغت للقيادة أصلا، فالسيارة ستذهب إلى وجهتها بنفسها!

فولكس واغن، سيارة الناس:

vw

أجد أن الطريقة التي قدمت بها فولكس واغن هويتها الجديدة تتحدث بلسان بقية شركات السيارات، وإن كان بعض هذه الشركات متحفظًا ولا يسعى لتقديم وعود مبالغ بها، لذلك يكتفي بالتجديد الهوية في انتظار أن يتم التغيير شيئًا فشيئًا!

في شركة فولكس واغن، عدة تنفيذيين قالوا بشكل علني بأن المرحلة الجديدة من عالم السيارات الكهربائية قد بدأت رسميًا، وأُعلن في العام 2018 عن عمل الشركة على تجديد شعارها سنة 2019 بروح جديدة، أولا للتخلص نهائيا من الآثار السلبية التي تبعت علامة التجارية بعد الفضيحة الشهيرة لانبعاثات فولكس واغن، وثانيًا لدفع الناس للاستمتاع بسيارة VW بشكل مختلف عما اعتادوه سابقًا، حيث طورت نظاما رقميا خاصًا بها أطلقت عليه اسم Volkswagen We حيث يسجل المستخدم حساباً عليه، ويربطه بسيارته مثلما يفعل مع أي هاتف، وتفعل حسابك مع سيارة موصولة بالكامل مع الانترنت، لكن الأمر يتجاوز مجرد التحكم سيارتك، بل لإدارة أسلوب حياتك حيث السيارة محوره!

vw

وطالما أن العالم الرقمي سيصبح هو جوهر التجربة التي تريد VW تقديمها لعملاءها، ستترجم هذا في الجانب البصري بالاستغناء عن الصور التي تركز على السيارات وشخصيتها ومميزاتها، بل ستركز على المستخدمين أكثر وتجربتهم الرقمية في استخدام السيارة وكيف تسير وتيرة حياتهم من خلالها ومن خلال تطبيقاتها, وستجد هذا واضحًا في حساب الشركة على إنستغرام حيث تصوير الناس بألوان زاهية أكثر من تصوير السيارات نفسها، أيضًا ستستغني عن الشعار اللفظي المكتوب بشعار صوتي جديد، مع صوت نسائي في جميع قنوات التواصل.

vw

vw

أما بالنسبة للقطعة المهمة في الهوية “الشعار” فقط تم تبسيطه والاستغناء عن الجزء المعدني، وجعل الشعار مضيئًا قدر الامكان، حيث تقول الشركة أن “الإضاءة هي المعدن الجديد“، حيث عمدت السيارات ولعقود طويلة دلالة على عصر الصناعة الثقيلة على جعل شعارتها معدنية بشكل ثلاثي الأبعاد؛ وكأنها منحوتات خاصة تزين كل سيارة، إلى أن تصبح شعارات بسيطة تضيء عند تشغيل السيارة، ويبدو أننا سنتعود على رؤية السيارات حول العالم تقوم بنفس الشيء.

أودي، العالم الرقمي أولاً:

أودي سبقت الجميع حين حدثت شعارها وهويتها، وقامت بالتحديث بناء على العالم الرقمي بشكل واضح وصريح، وكيف يتعامل المستخدمون مع الشاشات والواجهات، كما أنها كانت جريئة في اعتماد تصميم مسطح لشعارها، وطورت لغة بصرية خاصة بالتطبيقات الرقمية، الأيقونات مثلاً بديعة وأنيقة!

audi

audi

نيسان، ما يهمنا أننا بدأنا مرحلة جديدة:

شركة نسيان اتخذت مقاربة أبسط بكثير عن التي اتخذتها فولكس واغن، مع استعدادها للانطلاق في عصر السيارات الكهربائية من خلال سيارة آريا وما سيليها من سيارات كهربائية بالكامل. تقول الشركة أن العالم قد تغير والمجتمعات كذلك، ونحن نعيش رقميًا بنفس القدر الذي نعيش فيه واقعنا الفيزيائي، وتقول أن تواجدها الرقمي يجب أن يكون واضحًا ومتأقلما مع طبيعة هذا العالم، ولذلك توجب عليها تحديث شعارها!

nissan

nissan

قررت الشركة أن الشعار يجب أن يترجم هذا العصر بشكل واضح، لذلك تم التركيز على تصميم شعار مضيء، عملية الفريق كلها -والتي دامت 3 سنوات!- كانت منصبة على ابتكار شعار يمكنه أن يضيء في السيارة عن تشغيلها ومن ثم تصميم كل شيء آخر يتمحور حوله.

لم توضح الشركة إن كانت تعمل على رفع تجربتها الرقمية كما فعلت فولكس واغن، ولكن يبدو أنها مهتمة حقًا بحضورها الرقمي كعلامة تجارية وكيف أن الـ Flat Design مهم جدًا لها الآن، مع حفاظهًا على الفكرة الأساسية للشعار والمستلهمة من مقولة مؤسس الشركة ياوشيسوك ايكاوا “إن كان إيمانك قويًا، فبإمكانك اختراق الشمس“، كما أنها كذلك حرصت على تصميم نسخة ثلاثية الأبعاد من الشعار عندما تتطلب الحاجة لاستخدامها!

بي أم دبليو، نستعد لتحديات المستقبل!

bmw

حتى شركة بي أم دبليو، اتخدت نهجًا قريبًا من نهج نيسان، بتحديث شعارها الذي لم يتغير منذ العالم 1997 وجعلته أبسط في التخلي عن الخلفية السوداء والحفاظ على اللونين الأبيض والأزرق، تقريبا الشعار لم يتغير كثيرًا فهو نفسه، لكن جزء من التغيير هدفه الوصول إلى فئة الشباب لمنافسة الشركة اللدود مرسيديس التي تخطتها في السنوات الأخيرة في مبيعات السيارات الفخمة واتجهت نحو الشباب.

الجزء الآخر هو التأقلم مع العالم الرقمي، ومع أن بي أم دبليو عملت على تطوير تجربة رقمية لعملاءها منذ العام 2016 من خلال خدمة BMW Connected كما في تجربة فلوكس واغن وحتى تجربة مرسيدس، إلا أنها وضحت أن الشعار الجديد بسيط ومرن لأجل ظهوره على التطبيقات الرقمية المختلفة مثل الموقع والشبكات الاجتماعية وغيرها، وأيضًا قول الشركة أنها “انتقلت من كونها شركة سيارات إلى شركة تكنولوجيا واتصال!

bmw

كما وضحت أنه لن يتم وضعه على السيارات المستقبلية للشركة ولن يعوض الشعار الحالي ذو الخلفية السوداء! غريب أليس كذلك! مع أن الشعار الجديد قوبل بترحيب واعجاب.

تويوتيا سنعدل قليلا:

Toyota

تويوتا أيضًا جددت من أيقونتها، ولكن خصيصًا للسوق الأوروبي، وذهبت إلي أيقونة مسطحة كليًا باستغناءها عن اسم الشركة مع الأيقونة، فقط مجرد أيقونة، لكنها من ناحية ثانية عملت علي ضبط هويتها البصرية من خلال لوحة ألوان واضحة، وتطوير خط خاص بها، وهذا كله بالطبع لأجل التأقلم ضمن العالم الرقمي وكيف سيظهر شعار الشركة فيه!

حتى سوني دخلت عالم السيارات!!

أما مفاجأة هذا العام التي أظن أنه من الضروري الحديث عنها ضمن سياق العلامات التجارية والتجربة الرقمية للعميل مع المنتجات، ولماذا تُحَدِثُ شعارتها وتستعد لحقبة جديدة، فهي شركة سوني التي دخلت عالم سيارات هذا العام بطرحها لنموذج سيارة “Vision S” حيث وضعت سوني كل جهدها وخبرتها وتقنياتها ضمن سيارة واحدة، بما فيها الترفيه، مع شاشة لمس عملاقة أمام السائق، ونظام صوتي متطور وغيرها من التفاصيل الأخرى التي تجعل السيارة ليست فقط للتنقل، بكل أكثر من ذلك، سوني لن تنتج هذه السيارة، ولكن هذا يفتح الأعين حول مستقبل تجربة العملاء مع السيارات مستقبلاً كيف ستصبح؟ ولا ننسى أن نلاحظ أن إضاءة الشعار في السيارة لافتة جدًا تمامًا كما هو التوجه العام لدى الشركات الأخرى التي حدثت شعاراتها!

https://www.youtube.com/watch?v=j1RAdaSFWkM

sony

sony

الملخص:

للتوضيح لست من هواة السيارات، والمعلومات التي وضعتها هنا هي حسب فهمي ومطالعتي واهتمامي بعالم العلامات التجاربة والجانب البصري منها والسبب الذي يدفع شركات عملاقة إلى القيام بهذه التحديثات، لذلك إن كان لديك تصحيح لمعلومة ما، فسيسعدني ذلك.

لكن دعونا نلخص ما استوعبته شخصيًا من مطالعاتي لهذا التوجه هو نقطتين أساسيتين:

– شركات السيارات انتقلت من أنها شركات سيارات إلى شركات تكنولوجيا وأسلوب حياة لا تشكل السيارات جوهرها بل جانبًا منها، والآن كلها ترفع شعار “العالم الرقمي أولاً“.

– ربما هذا سيفتح المجال لتنافس شركات السيارات شركات تقنية أخرى مثل جوجل وآبل لصنع أفضل تجربة رقمية لعملاءها؛ فالعالم الرقمي كان منفصلاً عن السيارات لفترة طولية، لكن الآن ستصبح سيارتنا امتدادًا لحياتنا الرقمية، وأفضل مثال لذلك هو أن السيارات ذاتية القيادة أصبحت حتمية، وهي مسألة وقت فقط حتى نصل إلى تلك النتيجة، فما الذي ستقدمه هذه الشركات وقتها؟

– التغير الثوري في هذه الصناعة، تطلب إعادة نظر في العلامات التجارية واستراتيجيتها وفي صناعة تجربة العملاء وتفاعلهم مع العلامة التجارية بالشكل المطلوب، وهذا حتمًا سينعكس على التطبيقات البصرية بجميع أنواعها، بما فيها الشعار.

– سنرى شعارات مضيئة أكثر مستقبلا :))

1 تعليق

  1. هالة مصطفى

    شكرا على المعلومات الثرية والتحليل الممتع
    تصحيح بسيط أتمنى ألا يكون مزعجا ، volkswagen تكتب بالعربية وتنطق “فولكس ڨاجن” حيث الشركة ألمانية المنشأ وحرف ال W ينطق “ڨ”

كروموفوبيا، عن رُهاب الألوان من حولنا

كروموفوبيا، عن رُهاب الألوان من حولنا

تستعد للذهاب إلى عملك، تفتح خزانتك، وترى الملابس المعلقة أو المطوية في الدرج، وتفكر أيها أنسب ليوم عمل عادي قد يتخلله اجتماع مهم مع الفريق أو العميل، فتجد نفسك قد قررت أن أنسب خيار هو ملابس رسمية نوعًا ما، لكنك في نفس الوقت قررت أن الألوان يجب أن تكون هادئة محايدة، لا...

قراءة المزيد
ثقافة اللطافة

ثقافة اللطافة

بعد الحرب العالمية الثانية، شهد العالم زيادة سكانية كبيرة ضمن مرحلة سلام، رافقها مستوى تعليمي شبه متقارب للأجيال المولودة في تلك الفترة، وأيضًا رافقه أهم عنصر وهو بروز التلفاز كجهاز بدأ ينتشر في المنازل لدى هذه الأجيال، وهو ما بدأ يؤثر في تشكيل تصورهم للعالم، فبعد أن...

قراءة المزيد
لماذا القطاع العام بحاجة لهوية تسويقية

لماذا القطاع العام بحاجة لهوية تسويقية

في القطاع الخاص وفي وقتنا الحالي يمكن لأي شركة أن تصنع منتجًا خاصًا، أو تقدم خدمة جديدة مختلفة عما يقدمه الآخرون، الاشكالية أنه سرعان ما ستنسخ شركات أخرى نفس المنتج أو الخدمة وتقدمها، وهو ما يصعب عملية الاختيار على العملاء، خذ على سبيل المثال شركة "OpenAI" التي أطلقلت...

قراءة المزيد
Semper leo et sapien lobortis facilisis aliquam feugiat ut diam non tempus et malesuada. Fermentum nulla non justo aliquet, quis vehicula quam consequat duis ut hendrerit.

2023 ⓒ جميع الحقوق محفوظة، عصام حمود