التصميم حسب العميل

قد يلومني من هو متخصص إذا طالع هذه التدوينة، التي قد تتداخل مع تخصصات أخرى تتعلق بالإدارة وغيرها ربما.. ولكنني…...
17 يونيو، 2020

قد يلومني من هو متخصص إذا طالع هذه التدوينة، التي قد تتداخل مع تخصصات أخرى تتعلق بالإدارة وغيرها ربما.. ولكنني هنا أكتبها من زاوية أخرى، من زاوية أراها إنسانية وعملية في نفس الوقت، وليست مبنية على التحليل الدقيق، بل من خلال التجربة والتكرار الذي يعلمك الكثير ويصقل نظرتك وتعاملك مع البشر عمومًا حتى وإن كانوا عملاء، وقد تكون الصياغة الصحيحة لعنوان التدوينة ” أنواع العملاء”!

لمن عمل سنوات لا بأس بها في مجال التصميم فهو يعلم أن هناك مراحل عامة يتم اعتمادها لخروج بأفضل نتيجة ممكنة، مراحل العمل علي هوية بصرية مثلاً على الأغلب تختصر إلى شيء قريب من هذا: “الملخص، البحث، التصميم، التطوير، التسليم”، والهدف من هذه المراحل هو أن تسير جنبًا إلى جنب مع العميل للوصول إلي الهوية البصرية الأنسب له ولمشروعه.

لكن هناك إشكالية وجدتني أغفل عنها من قبل، في السابق كنت أتعامل بصرامة مع العمل المقدم للعميل وأحاول قدر الإمكان الالتزام بالبريف/الملخص الإبداعي، حيث كانت معاييري عالية وأجد صعوبة في تقبل قرارات العميل وخياراته الشخصية التي قد تفسد العمل أو تنزل بمستواه، حيث كنت أفصل بشكل كبير بين العميل ومشروعه، مع أني لازلت أميل كثيرًا إلى أن ولائي للمشروع أكثر من صاحب المشروع نفسه، إلا أني صرت أفهم أكثر أنه حتى وإن فرضت الخيار الذي أراه يخدم المشروع إن لم يكن العميل مقتنعاً به فلا معنى لكل ما قمت به.

لذلك وخلال السنوات الماضية بدأت وبالإضافة إلى الميزانية والجدول الزمني ونقاط العمل، بدأت أضيف شخصية العميل كتصنيف لتحديد نوع العمل الذي سأقدمه له، وهنا تقريبًا أغلب الحالات التي تمر علي:

العميل غير المستعد فكريًا ونفسيًا، قد يأتيك مشروع ترى فيه توجهًا إبداعيًا معينًا وتدفع أنت باتجاه هذا التوجه، لكنك في قرارة نفسك تعلم أن العميل غير مقتنع بهذا التوجه كونه بصريًا غير مستعد لهذا المستوى، لا تنسى؛ أنت على اطلاع دائم بجديد التصميم والعلامات التجارية، لديك تكوين فني خاص لذلك ذائقتك البصرية على الأغلب ستكون أعلى من الآخرين.

فلو فرضت توجهاً إبداعيًا مستواه أعلى من إدراك العميل له، أو تعلم أنك لن تستطيع إيصاله بالشكل اللازم للعميل، أو أن العميل لن يستوعب ما تقدمه له، وتعرف جيدًا أنه غير مقتنع به في داخله، ولا يرى نفسه في هذا التوجه الإبداعي فعليك أن تتراجع حتمًا، والحل الأنسب هنا أن تساوم، وأن تقدم مقترحًا في الوسط؛ بمعنى ربما عليك أن تعدل من عملك قليلًا ليقترب من المستوى البصري للعميل؛ بالنسبة للمثاليين في المجال هذا يعد من المحرمات، لكن دعني أذكرك أنك يجب أن تسير بالمشروع لنجاحه والتوافق والرضى بين كل الأطراف.

العميل غير المستعد للتنفيذ، وهي تكملة للنقطة الأولى، فحتى إن كان العميل مستعدًا فكريًا ومنفتحًا على الخيارات البصرية الجديدة وبوسعه مجاراتك والمغامرة، قد يكون التحدي الثاني معه هو أنه ببساطة غير قادر على الالتزام بمستوى العمل، هناك من العملاء من ليس لديه القدرة علي توظيف المصممين المهرة، أو ليس لديه القدرة على التعاقد مع وكالة احترافية تحمل عبء المستوى الإبداعي الذي تقترحه، لذلك عليك أن تضع في الاعتبار تقديم توجه إبداعي بإمكان العميل التعامل معه بسهولة.

وهنا مثال حي، قدمت “نتاشا جن” من شركة بنتاغرام للتصميم عرضا يؤكد هذا الحل، فقد واجهت شركتهم طلبا من إحدى المنظمات، أين كان مشروعهم بحاجة إلى هوية يتم استخدامها على مدى 6 أشهر من البحث والتحقيق في 1000 موقع معماري، فكانت الفكرة أن مشروعاً بهذا الحجم والتشعب وعدد المشاركين فيه يستحيل السيطرة عليه من قبل الوكالة وحتى دليل الهوية البصرية سيصبح بلا معني ولن يمكن الالتزام به.

لذلك أتت فكرة عبقرية لتحويل فرق البحث التي تعمل على المشروع إلى مصممين، بطريقة لا تدخلهم في التفاصيل الغرافيكية، لذلك اعتمدوا أولاً في تصميم الشعار باستخدام أشهر خطين في كل الحواسيب الموجودة Times New Roman وArial وكتب بها الشعار، فحرفيًا لست مضطرًا لاستخدام الشعار، بل ستكتبه بسهولة، ثم قرروا أن الألوان كذلك ستكون كارثية، لذلك تم الاكتفاء باللونين الأبيض والأسود، وكل ما عليك هو أن تكتب الشعار بالأبيض أو الأسود، والمساعدة البسيطة التي تمت هي تقديم بعض النماذج التي قد تساعدهم على تصميم المطبوعات بشكل أفضل.

هذا المثال يتحدث بشكل واضح عن أن إدراكك للمستوى التقني والتنفيذي للعميل مهم حتى لا تقدم له “الموناليزا” لتجده لاحقًا يضعها في المطبخ!

العميل المتردد والخائف، وهم الغالبية، فليس كل الناس تفهم مشاريع التصميم مثلك، ما تعلمته شخصيًا بالطريقة الصعبة أن العميل يأتيك في البداية يضع في يدك ماله، لكنه لا يفهم كثيرًا عن التصميم لذلك يكون مترددًا كثيرًا، لا يعرف بالتحديد إن كان سيثق بك أم لا، لذلك تتعلم أن تمنحه الوقت وأن تعزز من تواصلك به، وأن تفسح مجالاً للتعليم المستمر، يجب أن تتعلم كيف تقدم للعميل المعلومة التي يحتاجها في الوقت المناسب ليفهمك، لا تتركه في الظلام.

أيضًا يجب أن تشرح للعميل هنا كل ما تقوم به وكيف تقوم به، لا أقصد تفاصيل العمل على برامج التصميم، بل اشرح المراحل، أخبره كيف تعمل في العادة، كيف تختار الألوان، ما نوع الطباعة الذي يحتاجه، ما طبيعة الشعار الذي ترغب في الوصول إليه، أو حتى تشرح له الخطوط الطباعية ونبرتها وكيف يتم اختيار الخط المناسب، هذا الشرح والإشراك في التجربة سيساهم في أن يتفاعل معك العميل، وبالتأكيد هنا أيضًا عليك أن تحذر من أن تدعه يملي عليك ما يجب فعله. باختصار هذا النوع من العملاء التعامل معه كالتالي: “علمه، ثقفه، أشركه”، فكل عميل يتعلم شيئًا من التصميم يعني أنه سينقل هذه المعلومات لغيره، وسيجعل عملنا مستقبلاً أسهل أكثر فأكثر، في كتابه “Work for money. Design for love” يعرض دايفد آري العديد من النماذج الحية لمصممين يتحدثون عن تجاربهم، أحدهم يقول أن العمل لم يكن به خطأ لكن طريقة تعامله مع عميله المتردد والخائف والذي يطلب بعض الأمور الغير منطقية أدى إلى جعل التجربة سيئة ما جعله يغير من طريقته ليتعاون أكثر مع العميل ويوجهه.

work for monay design for love

العميل الذي لا يثق بك أو يعتقد أنه يعرف عملك أفضل منك، ويبحث عن أي مبرر لكي لا يقتنع بعملك مهما فعلت، هناك عملاء من أول لقاء معهم تعرف مباشرة أنه لا يثق في رأيك وقد اختارك لسبب لن تستطيع فهمه، ربما شريكه فرضك كخيار! ربما كان يبحث عن خيار عالمي لكنه وجد نفسه مجبرًا على العمل مع خيار محلي! وتجد أغلب الاجتماعات معه نقاشات متشجنة وإيميلات طويلة وجلسات لا تعرف فيها ما الذي يريده تحديدًا، ومهما شرحت له تشعر أنه لا يستمع لما تقول، وقد ينتهي الأمر إما بإيقاف العمل على المشروع، أو الخروج بنتائج بالنسبة لك ليست بالمستوى المطلوب وقد تؤثر علي سمعتك، مع التكرار تتعلم إما أن تقرر عدم العمل معه من البداية إذا فهمت نمطه، أو أن تبحث سريعًا عن مخرج من المشروع قبل أن يتأزم الأمر. ومع ذلك، تذكر القاعدة “قم بعملك بالشكل الصحيح“، قدم عملك لهذا العميل دون ادخار جهد في التصميم، اقترح الأفكار التي تراها صحيحة وأنسب، مثله مثل أي مشروع آخر، ومهما أشعرك العميل بأنك لست بالمستوى لا تلتفت لذلك، يجب أن ينتهي المشروع وأنت راض بأنك قدمت ما عليك بالطريقة الأفضل وبحسب مستواك.

بالإضافة إلى ذلك استخدم ورقة الوقت ونقاط العمل والميزانية لحثه علي اتخاذ القرارات قدر المستطاع، ولن يكون بمقدوره إيجاد أعذار لرفض العمل أو تأخيره والمماطلة.

العميل الذي لديه فكرة محددة مسبقًا، على الرغم من عدم اتفاقي مع هذه النوعية من العملاء، لكني أجد العمل معهم مريحًا وواضحًا، فهناك من العملاء من لديه ذوق معين، لديه فكرة خاصة وقَدِمَ إليك وهو يريدك أن تعمل بتوجه إبداعي معين، قد يكون هذا التوجه غير مناسب لطبيعة المشروع من وجهة نظرك كمتخصص، لكن في النهاية مهما حاولت فالعميل لا يريد سوى ما قد قرره مسبقًا، سواء كانت الألوان والخطوط وتزويع وغيرها، ولا حل أمامك هنا سوى أن تتماشى معه، نعم يمكنك اتخاذ قرار إنهاء المشروع كونك ترى قراراته البصرية سيئة، لكن هناك حل آخر وهو أن تنفذ هذه القرارات بأفضل طريقة ممكنة لتخدم المشروع بأفضل شكل.

العميل الجاهز، صدق أو لا تصدق على الرغم من ندرتهم لكنهم بالفعل من أفضل العملاء، لديهم الاستعداد التنفيذي والفكري لمقترحاتك، غير مترددين، لديهم ثقة واضحة بك كمتخصص، ويحاولون قدر المستطاع المساعدة في المشروع للأفضل، لذلك العمل معهم يعتبر حلما لأي شركة تصميم، حيث يسمح بطرح الأفكار الجديدة وتجربة التوجهات الجريئة بحرية.

وأخيرًا، العميل الذي لا يعرف ما يريد، انفذ بجلدك :)).. أتكلم بجدية.. Run for your life run

—–

يتقاطع هذا الكلام مع كل التخصصات الأخرى كالهندسة المعمارية والديكور وغيرها، لكني هنا أشارك وجه نظري الشخصية البحتة وما تعلمته وأطبقه بنفسي مؤخرًا قدر المستطاع في مجال التصميم الغرافيكي والهوية البصرية.

2 التعليقات

  1. عبدالعزيز المقبالي

    من أجمل تدويناتك عصام. واقعية وإنسانية جدا.
    هذا الفهم مفيد جدا لإنجاح المشروع، في النهاية هذه هي وظيفة التصميم بالنسبة للأعمال..

  2. نوف

    شكرًا لك استمتعت بقراءة المقال

كروموفوبيا، عن رُهاب الألوان من حولنا

كروموفوبيا، عن رُهاب الألوان من حولنا

تستعد للذهاب إلى عملك، تفتح خزانتك، وترى الملابس المعلقة أو المطوية في الدرج، وتفكر أيها أنسب ليوم عمل عادي قد يتخلله اجتماع مهم مع الفريق أو العميل، فتجد نفسك قد قررت أن أنسب خيار هو ملابس رسمية نوعًا ما، لكنك في نفس الوقت قررت أن الألوان يجب أن تكون هادئة محايدة، لا...

قراءة المزيد
ثقافة اللطافة

ثقافة اللطافة

بعد الحرب العالمية الثانية، شهد العالم زيادة سكانية كبيرة ضمن مرحلة سلام، رافقها مستوى تعليمي شبه متقارب للأجيال المولودة في تلك الفترة، وأيضًا رافقه أهم عنصر وهو بروز التلفاز كجهاز بدأ ينتشر في المنازل لدى هذه الأجيال، وهو ما بدأ يؤثر في تشكيل تصورهم للعالم، فبعد أن...

قراءة المزيد
لماذا القطاع العام بحاجة لهوية تسويقية

لماذا القطاع العام بحاجة لهوية تسويقية

في القطاع الخاص وفي وقتنا الحالي يمكن لأي شركة أن تصنع منتجًا خاصًا، أو تقدم خدمة جديدة مختلفة عما يقدمه الآخرون، الاشكالية أنه سرعان ما ستنسخ شركات أخرى نفس المنتج أو الخدمة وتقدمها، وهو ما يصعب عملية الاختيار على العملاء، خذ على سبيل المثال شركة "OpenAI" التي أطلقلت...

قراءة المزيد
Semper leo et sapien lobortis facilisis aliquam feugiat ut diam non tempus et malesuada. Fermentum nulla non justo aliquet, quis vehicula quam consequat duis ut hendrerit.

2023 ⓒ جميع الحقوق محفوظة، عصام حمود